تاريخ النفط مع أزمات العالم.. من "عهود الذعر" إلى "يوم المستحيل"

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

بقلم لمياء نبيل 
محررة في CNBC  عربية 

على إيقاع التغيرات الجيوسياسية، تتحرك أسعار النفط العالمية كما لو كانت في رقصة تانغو، فمع ازدياد حدة التوترات، تتسارع خطوات الأسواق استباقا لأي تطور محتمل، قبل أن تنحني قليلا مع دخول بوادر تهدئة.  

ومنذ بداية التوترات بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، والاحتمالات المفتوحة على مصراعيها في كل الاتجاهات ما بين الاحتواء أو التصعيد إلى مستويات غير معلومة الآفاق، تزداد حدة الإيقاع... فأغلقت أسواق النفط يوم الجمعة 20 أكتوبر (تشرين الأول) وخام برنت عند مستوى 92 دولاراً للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط عند 88 دولاراً للبرميل، وكلاهما حقق مكاسب أسبوعية وقريب منذ ذروة عام.

وبالنظر إلى التاريخ الحديث، فإن النفط يعد أحد أبرز العناصر التي تؤثر وتتأثر بالأوضاع السياسية العالمية.. حيث كان يستخدم أحيانا سلاحا؛ سواء ناعما أو حادا، وفي مرات أخرى كان ضحية لقرارات السياسيين.

 

•    خلفية تاريخية:

اكتشف النفط منذ العصور القديمة، لكن استخدامه في العصر الحديث يعود تقريبا إلى عام 1850، ثم زادت أهميته في ظل ازدهار الثورة الصناعية في أوروبا، قبل أن يتحول إلى عنصر محوري في الحرب العالمية الأولى ثم الثانية... ومنذ ذلك الحين لعب دورا هاما في الواقع الجيوسياسي.

ومع اكتشاف إمكانات نفطية هائلة في المنطقة العربية، والتي كانت باكورتها في العراق عام 1927، ثم في السعودية عام 1932، اتضحت أهمية أخرى لمنطقة "وسط العالم" بالنسبة للعالم الغربي، الذي سعى للسيطرة على هذه الصناعة في ظل موجة استعمارية واسعة النطاق في ذلك الوقت.

لكن مع بداية تحرر المنطقة ، تحولت دول المنطقة إلى قوى مؤثرة، واتضح ذلك المشهد بقوة خلال واقعة حظر النفط العربي الشهيرة عام 1973. وبعد خمسين عاما من تلك الواقعة، تزداد المخاوف حاليا من تأثر "عصب الاقتصاد العالمي" جراء التصعيد الجاري بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة؛ سواء بشكل مباشر عبر تأثر منابع النفط في المنطقة، أو بشكل غير مباشر عبر تهديد أهم شرايين التجارة العالمية والنفطية التي تمر بالمنطقة.

 

•    أبرز الأحداث والتغيرات:


البدايات:

منذ بدء الاستخدام التجاري للنفط وحتى مشارف الحرب العالمية الثانية في عام 1939، لم يكن سعر النفط يتجاوز مستوى 3.5 دولار للبرميل. ورغم مرور العالم بحرب عالمية (أولى) في الفترة ما بين عامي 1914 و1919، إلا أن النفط وقتها لم يتجاوز مستوى دولارين رغم الإقبال الهائل عليه لتشغيل آليات الحرب، حيث كان الإنتاج وقتها كافيا لتغطية الاحتياجات المحدودة، وكانت كل دولة تعتمد على انتاجها المحلي أو إنتاج مستعمراتها، فلم يكن تصدير النفط أمرا واسع النطاق في ذلك الحين.

ومع دخول أميركا في الكساد الكبير عام 1930، ونتيجة للفائض الكبير مع تراجع الصناعة والذي تزامن مع مزيد من الاكتشافات، تراجع متوسط الأسعار نحو دولار واحد للبرميل.

 

الحرب العالمية الثانية:

مع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 واتساع نطاقها حتى نهايتها عام 1945، ورغم وفرة الإنتاج النفطي، إلا أن مختلف الدول الكبرى انتبهت لأهمية السيطرة على سلاح استراتيجي يتمثل في منابع النفط، سواء عبر السيطرة العسكرية المباشرة أو الهيمنة الاقتصادية. وخلال هذه الفترة عرفت أسعار النفط للمرة الأولى ارتفاعات وصلت في بعض الأحيان إلى 20 دولار للبرميل.

وعقب انتهاء الحرب، وفي مرحلة التعافي وإعادة البناء، بلغ النفط في بعض الأوقات سعرا أعلى حتى مستوى 32 دولار للبرميل... لكنه كان غالبا في مستويات أدنى من 30 دولارا.

 

أزمة السويس: 

في عام 1956، كانت المرة الأولى التي تبرز فيها أهمية منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها المباشر على أسعار النفط، ومع بدء ما يعرف باسم "العدوان الثلاثي" على مصر بقيادة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل واشتعال "أزمة السويس" عقب قرار الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بـ"تأميم القناة".

توقفت حركة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس وسط الغارات الجوية، ومعها إمدادات نفطية هامة من المنطقة، لترتفع أسعار النفط للمرة الأولى تاريخيا إلى مستوى 34 دولار للبرميل. وهو ربما كان أحد عوامل تدخل أميركا بين طرفي الصراع للتهدئة وقف إطلاق النار.

 

حرب أكتوبر : 

أما أكبر قفزة من حيث النسبة في تاريخ النفط على الإطلاق، فكانت في عام 1973، عقب بداية حرب السادس من أكتوبر (أو حرب يوم كيبور) بأيام.

ومع قرار عربي بحظر تصدير النفط إلى الغرب، قفزت الأسعار من مستوى 24 دولار للبرميل، في خط صاعد بلا هوادة وصولا إلى 66 دولاراً للبرميل في مطلع مارس (آذار) من العام اللاحق 1974. ثم مسار شديد التذبذب لتصل إلى 73 دولاراً في نوفمبر (تشرين الثاني) 1977.

 

ثورة إيران والحرب مع العراق:

ومن أزمة إلى أزمة أخرى، انطلقت الثورة الإيرانية في يناير (كانون الثاني) عام 1978، لتتأثر الصادرات بشدة خاصة مع التوتر العنيف بين طهران وواشنطن. وبينما الأزمة في عنفوانها، اشتعلت في سبتمبر (أيلول) 1980 الحرب بين العراق وايران، وهما اثنين من أكبر المنتجين عالميا آنذاك، لتقفز أسعار النفط في ذلك العام إلى 147 دولار للبرميل، وهو سعر لم تشهد الأسواق من قبل ولا من بعد (حتى عام 2008).

ومع نهاية الحرب عام 1988، وهدوء في الأوضاع العالمية بشكل عام، تراجعت أسعار النفط رويدا، لتهبط إلى مستويات حول 34 دولار للبرميل.

 

حرب تحرير الكويت:

في أغسطس (آب) 1990، اجتاحت قوات عراقية الكويت، ثم قامت قوات التحالف الدولي بعملية "درع الصحراء" لتحرير الكويت، حيث استمرت العمليات حتى نهاية فبراير (شباط) 1991.

وخلال تلك الفترة، شهد النفط ارتفاعات كبيرة، إذ كانت العمليات وسط عدد من أهم الدول المنتجة للنفط في العالم، لتصل أسعار النفط في شهر سبتمبر (أيلول) 1990 إلى أعلى من 91 دولار للبرميل.

 

الأزمة المالية في آسيا:

عقب حرب الخليج الثانية، هدأت أسعار النفط لعدة سنوات تحت مستوى 40 دولار للبرميل، لكن انهيار العملات في جنوب شرق آسيا في صيف 1997 أدى إلى اشتعال مخاوف اقتصادية عالمية، وتسببت "متوالية المخاوف" من الركود التي استمرت لأشهر طويلة في هبوط النفط إلى 21 دولار للبرميل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1998.

 

غزو العراق:

في مارس (آذار) 2003، بدأت العمليات العسكرية الأميركية لغزو العراق، وفيما كان النفط يتحرك عند مستويات حول 50 دولار للبرميل قبلها، فقد واصل سلم الصعود الكبير، ليصل في يونيو (حزيران) 2006 إلى 112 دولار للبرميل.

 

الأزمة المالية العالمية:

وسط أحد أكبر الأزمات الاقتصادية في التاريخ المعاصر، بلغ الهلع العالمي مداه مع انهيار شركات وبورصات بل واقتصادات، ليشتعل سعر النفط وسط الأزمة، وصولا إلى مستوى الذروة النفطي التاريخي عند 196.98 دولار للبرميل في يونيو (حزيران) 2008.

الربيع العربي :

خلال تلك الفترة التي بدأت في أواخر أيام عام 2010، شهدت أسواق النفط اضطرابات عنيفة، خاصة مع خروج نحو 1.6 مليون برميل من النفط الليبي فجأة من المعادلة الإنتاجية العالمية، لتقفز الأسعار في مارس (آذار) 2011 إلى مستوى 155.96 دولار للبرميل.
وفي عام 2012، فرضت أميركا عقوبات على صادرات النفط الإيرانية، ليستمر تذبذب الأسعار لبضعة سنوات.

النفط الصخري :

انفجرت ثورة النفط الصخري الأميركي سريعا في ظل أسعار النفط المرتفعة، حيث أنه يحتاج لكلفة عالية في الاستخراج. وبدأت الأسعار مسارا هبوطيا منذ صيف 2014، لتتراجع وصولا إلى 43 دولار في مطلع 2016... وتظل الأسعار في موجات متذبذبة بين 60 و80 دولار لعدة سنوات.

 

"يوم حدث المستحيل"

شهد يوم 20 أبريل (نيسان) من عام 2020 أو "الاثنين الأسود" واقعة طريفة كان يعتقد قبلها أنها لا يمكن حدوثها، إذ جرى بيع عقود نفطية بـ"أسعار سالبة" وصلت إلى دفع حامل العقد لما يصل إلى 40 دولار للمشتري من أجل التخلص من العقد الذي انتهى أجله في نهاية ذلك اليوم.
وحدثت تلك الواقعة وسط حجر صحي وإغلاق عالمي نتيجة وباء كورونا، والذي أدى لتراجع الطلب العالمي بنحو ثلث قيمته بشكل لم يتأهب له العالم، فضلا عن أزمة عابرة بين روسيا وتحالف أوبك+ وقتها، أدت إلى اشتعال حرب أسعار وقتية بين الطرفين. 

 

•    السيناريوهات الحالية:

وفي اللحظة الراهنة، تتجدد المخاوف من تصاعد حدة الصراع في غزة، لتفرض علامات استفهام حول قدرة الأزمة الحالية على تعطيل إمدادات النفط العالمية ودفع الأسعار إلى الارتفاع.

وبرغم توقعات الخبراء أن تأثير الأزمة لن يكون على غرار الوقائع السابقة، إلا أن البعض لا يزال يتوقع إمكانية ارتفاع الأسعار وصولا إلى 140 دولار للبرميل في حال اتساع نطاق الأزمة إقليميا؛ أو دوليا.

وقال فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، إن الحرب بين إسرائيل وحماس "ليست أخبارًا جيدة" لأسواق النفط المنهكة بالفعل بسبب تخفيضات إنتاج من قبل مجموعة أوبك+ وتوقع طلب أقوى من الصين.

وتابع أن الأسواق ستظل متقلبة، وقد ينعكس الصراع في ارتفاع أسعار النفط، وأكد أنه خبر سيء للتضخم، مشيرًا إلى أنه الأكثر تضررًا من ارتفاع الأسعار.

ويتمثّل أحد المخاطر الرئيسية بالنسبة لسوق الطاقة في التدخّل المباشر لإيران، الداعمة لحركة حماس والتي تعدّ عدواً لدوداً لإسرائيل. وواحدة من المخاوف الكبرى التي ربما تؤثر في ارتفاع الأسعار وفق المراقبين هو إغلاق مضيق هرمز الذي يقع جنوب إيران ويمر عبره الكثير من الإمدادات العالمية. 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة